أحدث_الأخبار

مقاولة ام استثمار؟

6 يوليو , 2016 - 11:32 ص

مقالات

بقلم الكاتب والمهندس الاستشاري تغلب عبد الكريم الالوسي

في بعض اللقاءات يدور الحديث حول المشاريع ويذكر مشروع اسكان النهروان ذو المائة ألف شقة سكنية ومشروع اسكان البكرية واللافت للنظر ان المشروعين معلن عنهما مشاريع استثمارية ولا أدرى هل هناك مشاريع اخرى بهذه الصفة ام لا؟

لا أدرى ما هو مفهوم الاستثمار عند المسئولين في الدولة العراقية؟ ولماذا يطلق على هذه المشاريع استثمارية مع العلم بانها تمول من قبل الدولة بالكامل ولذلك تتوقف وتعمل تبعا للتمويل من قبل ميزانية الدولة …. اين وجه الاستثمار في مثل هذه المشاريع؟ وإذا كان الاستثمار يفهم بهذه الطريقة فاين الاختلاف عن التنفيذ بموجب اسلوب المقاولات الحكومية.. ان هذا الامر له تفسيران لا ثالث لهما، فأما ان يكون القائمين على خطة وسياسة الاستثمار لا يعرفون ماذا تعني كلمة الاستثمار، واما ان يكون هناك هدف اخر من وراءه مدخلا من مداخل الفساد المالي والاستحواذ على نسب من قيمة المشروع تصب الى جيوب اصحاب القرار!!!

ان الاستثمار كلمة تطلق على المال المستخدم من خارج ميزانية الدولة الهدف منه اداء دور داعم وساند للمال العام من اجل حل مشكلة لا يكفي لها المال العام، ويكمل دوره في حل مشاكل اجتماعية واقتصادية، وحيث من المعلوم بان التشغيل يدعم القضاء على مشكلة البطالة، ويشغل عجلة الاقتصاد وخاصة في مجال الاعمار، ويحول البلد الى الاكتفاء الذاتي، ويوقف نزيف العملة، فان المال المستثمر من خارج الميزانية يقوم بكل هذه الاعمال بدلا من المال العام..

والمال المستخدم بهذه الطريقة اما ان يكون داخليا ليؤدي دورا مشابها للسندات الداعمة للخزينة من اجل دعم السيولة وبالتالي دعم رصيد العملة الوطنية , او يكون مالا خارجيا بديلا عن القرض الذي يضمن تسديد فوائده من المستفيدين من هامش الربح الذي يحققه المستثمر من بيع العينات المنجزة للمستفيدين كالوحدات السكنية او المشاريع الزراعية او الصناعية وهو افضل من القروض الخارجية بما لا يقاس التي ترهق خزينة الدولة بالفوائد المتراكمة الربوية , ويشجع بل يدفع المستفيد للعمل والابتكار والانتاج , واسوء انواع القروض التي تصرف فيها الاموال على قطاع الخدمات التي لا يرتجى من تسيدها من الانتاج وانما من واردات الدولة الاخرى ولذلك فان القرض الذي يصرف على الخدمات جريمة بحق الشعب والدولة وان دل على شيء فانه يدل على جهل مطبق على من يقترحه او يروج له , او ان له مآرب اخرى!!

ان دولا عدة لا تملك من الموارد الا الشيء القليل قررت وخططت ونمت وتطورت بفضل من الادارة الحكيمة واستعمال المناسب من الخبرات وحب الوطن والشعور بالانتماء اليه , بل انها استوردت تلك الخبرات ووظفتها واعتبرت كلفة تلك الخبرات محملة على كلفة الاستثمار ونجحت نجاحا باهرا فحلت مشاكل مواطنيها فبنت المساكن الفارهة اولا , ثم تعدت بهذه الخبرة الى بناء المشاريع الخدمية والسياحية والصناعية والزراعية وطورت النقل والمواصلات وتعدت الى العالمية في ادارة المرافق الصناعية والتجارية بفضل ما تراكم من خبرة لدى العاملين فيها وعاش مواطنوها عيشة الرفاهية التي تكاد تكون مطلقة , لقد كان من هذه الدول من كان في مستوى القرى حينما كانت جامعات العراق تعج بالأساتذة وتمنح شهادات عليا في كل الاختصاصات .

ان من جملة التصرف الصحيح بالمال العام ان تكون الدوائر التي تشرف على تصميم وتنفيذ المشاريع تخضع لمتطلبات الجدوى الاقتصادية , حتى اذا استدعى الامر الى الاستعانة بالكادر المحلي او الاجنبي من الاختصاصات المطلوبة , وتحميل كلفتها على مجمل كلفة الاستثمار فهو الافضل لان في ذلك تتخلص الدولة من الترهل الاداري والصرف على تلك الكوادر في ايام التوقفات والانتقال من مشروع لأخر, وما يترتب على ذلك من رواتب وحقوق تقاعدية وغيرها , مع المقارنة بالاستعانة بالخبرات في القطاع الخاص التي تنشُط الخبرات وتطورها وتقضي على البطالة وتثبت الكوادر الاختصاصية وتحميها من الهجرة وتحفظها داخل البلد .

وللمثال فان جلب استثمار اجنبي لبناء مستشفيات تخصصية في العاصمة والمحافظات له من الاثار التي لا تحصى على الاقتصاد والعملة الوطنية وراحة ورفاهية المواطن وتقدم البلد وتنمية كوادره الفنية والمهنية , وبالتالي فالمشروع يسد كلفة الاستثمار من ايرادات تلك المستشفيات وعلى المدى الذي يحدده تقرير الجدوى الاقتصادية ,وفي نهاية المدة فالمستشفى يعود على الجميع بالفائدة واولها الدولة , التي ممكن ان تساهم بإمكاناتها المتاحة كضمان المال الذي تحوله الجهة المستثمرة , والتامين عليه , وتوفير الاراضي , والحراسة اثناء التنفيذ , ونسبة لا تتجاوز العشرين بالمائة من كلفة المشروع بالعملة الصعبة , وهو مال راجع لا محالة من تشغيل المشروع , وهذا ما تفاوضنا عليه من المتطلبات من قبل جهات كثيرة مستعدة خارج الحدود للدخول بمليارات الدولارات , ومن الصعب ان تصدق بان اشخاصا قابلناهم وتفاوضنا معهم وفي جعبتهم مليارين من الدولارات او اكثر يمثلون حكوماتهم مع تخويلهم من قبلها بالتفاوض وعقد الصفقات لتنفيذ اي مشروع ضمن هذه الكلف , والشروط التي ذكرناها من المساهمة الحكومية وتوفير الارض وتوفير الحماية للمشروع اثناء التنفيذ وجدوى اقتصادية من قبل مكتب معترف به ومعتمد ونسبة المشاركة كل هذه الامور في غاية البساطة في نطر الدولة

اذهبوا في سفرة سياحية الى تركيا وشاهدوا كم من الافكار التي تطبقها هذه الدولة التي صعدت الى تسلسل (16) في سلم التنمية العالمية , اليست دراسة تجارب الدول الصاعدة كتركيا واليابان وماليزيا والمانيا الاتحادية حريَة بالدراسة … وللمثال لاحظ ايهما اكثر ايرادا للحكومة التركية ايرادات الرسوم البسيطة على الطرق الخارجية السريعة التي عمت البلاد من اقصاها الى اقصاها ام تصدير (250) الف برميل نفط خام يوميا على اكثر تقدير , ثم لاحظوا هل هناك فرق بين ساعات الذروة وغيرها في امتلاء وسائط النقل التركية في العاصمة وكم تدر على بلدية اسطنبول من الاموال , ولا نتكلم عن النفايات وكم توفر من الطاقة , ولا تنظيم المنتجعات والمناطق السياحية والتطوير الصناعي وشركات الطيران وفتح الاسواق اعتمادا على سياسة الانفتاح على كل دول العالم …. وغيرها كثير

ولو رجعنا الى مسالة مهمة جدا وهي بيئة الاستثمار في العراق والتي صنفت على انها بيئة طاردة للاستثمار، فهل قمنا يوما بتحليل لعناصر هذه البيئة واين يكمن الخلل؟ وهل الموضوع ينطبق على جنوب العراق ووسطه وشماله بنفس الدرجة , ونعدكم ان نفرد لهذا الموضوع بحثا تحليليا لن نكتفي به بمقالة واحدة ان شاء الله , ولكننا نقول ان المباشرة بمشروع مترو في بغداد ممكن حتى في الظروف الحالية ومشروع انشاء مولدات للطاقة الكهربائية في جبال قرداغ وجبل ازمر حول السليمانية ممكن ايضا وضروري في هذه الظروف , والعالم الان بدا يودع البترول , وللمثال في المانيا الاتحادية اصبح الجزء الاكبر من الطاقة الكهربائية تحصل عليه الدولة من الطاقة البديلة وهي طاقة الرياح والطاقة الشمسية , وفي امريكا (30%) من الطاقة الكهربائية تأتي من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح … ولكن سؤال اخير اين الخلل ؟ هل ان شماعة الارهاب التي يعلق عليها اصحاب القرار كل تصرفاتهم الفاشلة هي السبب الرئيسي في فشل الاستثمار وتكوين البيئة الطاردة للاستثمار؟ ام ان الفشل والفساد الاداري هذا نفسه هو السبب الرئيسي للإرهاب … ونحن على موعد معكم في حلقات قادمة لنكمل الحديث بحول الله تعالى … والله من وراء القصد

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *