أحدث_الأخبار

الموصل العراقية.. “أوف لاين” بأمر “داعش”

في مطلع أغسطس/آب الجاري كان سكان الموصل، شمالي العراق، على موعد مع فرمان جديد من تنظيم “داعش” الذي يسيطر على المدينة منذ 10 يونيو/ حزيران 2014، بقطع خدمة الإنترنت ليفقدوا بذلك آخر وسيلة اتصال لهم بالعالم الخارجي.

“داعش” برّر قراره بأن الموصل تترقب هجومًا وشيكًا عليها من قبل القوات العراقية، بهدف طرده من المدينة، وخشية من اكتشاف مواقعه سواء عبر إبلاغ السكان عنها أو من خلال التطبيقات المختلفة على الإنترنت لذلك لجأ إلى هذه الوسيلة.

خلية “الإعلام الحربي” التابعة للجيش العراقي أكدت الأمر في بيان لها أواخر يوليو/تموز الماضي، لافتة إلى أن التنظيم أمر بقطع شبكة الإنترنت عن معظم مناطق الموصل، بدءًا من أول أغسطس/آب الجاري، بدعوى “التخوف من أن تكون للقوات العراقية عيونًا داخل المدينة، تقدم لها معلومات عن مواقع ومقرات التنظيم عبر الإنترنت”.

“عناصر الحسبة”، وهي الجهة الرقابية المسؤولة عن تطبيق وتنفيذ تشريعات تنظيم “داعش” بالمدينة أبلغت مزودي خدمة الإنترنت في الموصل، حجب الخدمة عن المشتركين في المدينة، محذرة المخالفين بعقوبات قد تصل إلى السجن، أو الإعدام حال ثبوت التعاون مع جهات أمنية غير معروفة وتزويدها بمعلومات عن مواقع التنظيم.

وفي أكثر من مناسبة وخصوصاً عند تنفيذ الإعدام بأحد سكان الموصل يعلن التنظيم أن السبب يعود إلى تسريب معلومات للجهات الأمنية عن التنظيم من قبل بعض المتعاونين معها عن طريق خدمة الإنترنت عبر تطبيقات الرسائل والمكالمات الصوتية “فايبر” أو “واتساب” أو “فيسبوك”.

ومن وقائع تنفيذ حالات الإعدام ما جرى في 19 يوليو/ تموز الماضي حين أعدم التنظيم نحرًا بسكين شابين في حي الزهور شرقي الموصل، بتهمة التعاون مع القوات العراقية، وتسريب معلومات عن طريق الإنترنت، حسبما تلا عضوان بالتنظيم في مقطع فيديو مصور بث على شبكات التواصل الاجتماعي لاحقًا، وهما يتحدثان الفرنسية وينفذان عملية الإعدام.

أبو علي (اسم مستعار) أحد سكان الموصل يعمل بشركة لتزويد الإنترنت رفض الكشف عن اسم الشركة خشية استهدافه، يقول: “قبل أيام وكعادتها وقفت أمام باب شركتي سيارة الحسبة ليترجل منها 3 من عناصر التنظيم ليبلغوني بأن خدمة الإنترنت توقفت وفق تعليمات من قيادات التنظيم”.

ويضيف أبو علي للأناضول: “حدثني أحدهم(من داعش) وأمرني بألا أجدّد اشتراك أي عميل حال انتهاء اشتراكه، وأبلغوني أيضًا أنهم سيحضرون مرة أخرى لسحب ترخيص الشركة التي كلفتنا الكثير من الأموال”.

وتعتمد شركات تزويد الإنترنت في الموصل على خدمات تسمى بـ”الفضائي” وهي خدمة تكاد تكون بدائية بسبب بطئها لكن يعتمد السكان عليها فقط لإجراء اتصالات هاتفية مع أقاربهم أو أصدقائهم، أو للتواصل عبر رسائل مكتوبة لأن سرعة الخدمة لا تسمح بتحميل فيديوهات وصور، وتقوم الخدمة على تركيب صحن استقبال صغير يمكّن من استقبال شبكة الانترنت عبر الأقمار الصناعية.

التنظيم وعقب قراره بغلق الشركات قرّر فتح مقرات خاصة أشبه بمقاه الإنترنت تتيح للسكان استخدامها لكن هذه المواقع تكاد لا تخلو من عناصر التنظيم الذين يتواجدون بشكل متنكر لمراقبة اتصالات السكان، بحسب شهود عيان.

سيف أحد سكان الموصل(طلب عدم الإفصاح عن اسمه الكامل خشية معاقبته من قبل “داعش”) يقول للأناضول: “قد يفاجئ أحد سكان المدينة بسحب أحد عناصر التنظيم لهاتفه النقال عنوة ويدقق فيه باحثًا عن الأسماء التي يجرى الحديث معهم عبر الإنترنت، لذلك فإن الأهالي حذرون جداً في الحديث مع أقربائهم أو أصدقائهم عما يجري داخل الموصل تحت حكم داعش”.

الخبير في شؤون الجماعات المسلحة، والأستاذ الجامعي بكلية الحقوق بالموصل سابقًا عمر عبد الله، يقول للأناضول: “إن تنظيم داعش شعر بخطورة العمل الاستخباري والاعتماد على الاتصالات في إرشاد الجهات الأمنية بمواقع تواجد عناصره عبر تطبيقات وبرامج تحدد وبالصور مواقعه مثل جوجل إيرث(برنامج خرائط) وغيرها، مما سهّل كثيراً من إيصال هذه المعلومات عبر الإنترنت خاصة بعد أن قطع داعش الاتصالات عبر الهواتف النقالة قبل أشهر”.

عبد الله المقيم حالياً في الإقليم الكردي في العراق يضيف أنه “ولهذا السبب رأى التنظيم أنه من الواجب قطع الإنترنت عن الموصل قبل بدء معركة تحرير المدينة، حتى أنه بدأ يشعر بهزائمه إعلاميًا عبر مواقع التواصل الاجتماعي كتويتر وفيسبوك ولهذا عمد على قطع خدمة الإنترنت”.

سكان الموصل من جانبهم يطالبون الحكومة العراقية بضرورة تقوية الاتصالات وإعادة الخدمة بل وتقويتها عبر أبراج البث في أطراف المدينة خاصة المناطق المتاخمة للإقليم الكردي في العراق، بشكل يصعّب على “داعش” تقييد الاتصالات والإنترنت ويوقف احتكاره لها.

معلومات غير مؤكدة تتناثر بين السكان بأن التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن ويحارب “داعش” يسعى إلى بث خدمة الإنترنت مجاناً من قاعدة القيارة الجوية(60 كم جنوب الموصل)، والتي تم تحريرها مؤخرًا للإسهام في إيصال المعلومات للتحالف والقوات العراقية مع بدء معركة تحرير الموصل، لكنه لم يتسنّ للأناضول التأكد من صحة هذه المعلومات من قيادة التحالف أو الحكومة العراقية.

وتقود الولايات المتحدة تحالفًا دوليًا مكونًا من أكثر من ستين دولة، يشن غارات جوية على معاقل “داعش” في العراق وسوريا منذ ما يقارب العامين، كما تتولى قوات التحالف تقديم المشورة والدعم اللوجستي لقوات محلية في البلدين.

وانطلقت في 23 آذار/ مارس الماضي، المرحلة الأولى من العمليات العسكرية لتحرير الموصل، ومنذ ذلك الوقت استعادت القوات العراقية مساحات واسعة من “داعش”، بينها قاعدة القيارة الجوية التي من المخطط لها أن تكون منطلقًا لشن هجمات جوية ضد التنظيم في العملية المرتقبة لتحرير كامل المدينة من قبضته التي أحكمها عليها منذ صيف عام 2014.

وتسعى الحكومة العراقية لاستعادة المناطق المحيطة بالموصل قبل شن هجوم واسع لانتزاع المدينة من “داعش” قبل نهاية العام الجاري. –

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *