أحدث_الأخبار

التخطيط العمراني بأفريقيا.. بين الانفجار الديمغرافي وارتفاع معدلات التحضّر

21 أغسطس , 2016 - 9:09 ص

اخبار محلية الوطن العربي

تحوّلات جذرية تهز أفريقيا، وترسم ملامح جديدة لقارة تحكمها ثنائية “الانفجار الديمغرافي” (تزايد عدد السكان) و”ارتفاع معدّلات التحضّر” (الانتقال من الريف للمدن)، ما يفرض وضع الآليات الضرورية والمناسبة على مستوى التخطيط العمراني، لاحتواء ازدواجية تهدّد بالخروج عن نطاق السيطرة، بحسب خبراء.

وتوقع تقرير أممي صادر مؤخرا عن “برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية” أن يتضاعف عدد سكان القارة الأفريقية المقدّر عام 2010 بحوالي مليار نسمة، ليصل إلى 3 أضعاف في 2070، مشيرا إلى “انفجار” ديمغرافي من المنتظر أن يترافق مع ارتفاع ملحوظ لمعدّلات التحضر، حيث سيرتفع عدد سكان المناطق الحضرية في أفريقيا، بين الأعوام 2010 و2050، من 400 مليون إلى 1.26 مليار نسمة، ما يعني أن مستوى تحضّر سكان القارة سيناهز 50% بحلول 2035، وقد يصل 58 % في 2050، في حال تحقّقت الأرقام الاستشرافية للنمو “المعتدل” في القارة.

وحاليا، يقدّر معدل التحضر في أفريقيا بنحو 40%، وهذه النسبة تعتبر الأقل مقارنة مع بقية قارات العالم، وتتفاوت هذه النسب من منطقة إلى أخرى داخل القارة، ففي الجنوب بلغ مستوى التحضر 58% عام 2010، ووصلت النسبة في العام نفسه إلى 51% في الشمال و44.9% في الغرب، بينما بلغ المستوى 41.3% في وسط أفريقيا، في حين سجلت النسبة الأكثر انخفاضا في منطقة الشرق بـ 26.6%، بحسب المصدر نفسه.

ورغم ضعف هذه النسب، إلا أنه من بين الـ 100 مدينة الأسرع نموا حول العالم (52 منها تأوي أكثر من مليون ساكن)، يأتي من بينها 25 مدينة أفريقية.

“اليون أسي سيك” أستاذ التخطيط الحضري والأكاديمي السنغالي، يرى أن هذه الزيادة السريعة لعدد السكان داخل المدن، تتطلب تخطيطا حضريا يتناغم مع التغيرات العميقة التي تنتظر القارة الأفريقية.

وأضاف أسي سيك في حديث للأناضول، أن القارة السمراء مدعوة إلى تحسين الخدمات الاجتماعية فيها، لا سيما في “المدن الطفرة” (تشهد طفرة ديمغرافية)، من أجل إرساء ظروف عمل وحياة أفضل، علاوة على تحقيق فرص اقتصادية جديدة للشباب.

وأشار أن هذا الهدف ضروري مع ظاهرة “تضخم الرأس” التي تميز المدن الأفريقية الكبرى. ويستخدم مصطلح “تضخم الرأس”، مجازا، للإشارة إلى المجال الجغرافي التي يسيطر عليه قطب واحد، يتركز فيه عدد كبير من السكان والأنشطة والخدمات.

المدن الأفريقية الكبرى، وأهمها “لاغوس” في نيجيريا، التي تضم 18.9 مليون نسمة، والعاصمة المصرية “القاهرة” التي يبلغ مجموع سكانها 14.7 مليون شخص، و”كينشاسا” عاصمة الكونغو الديمقراطية التي يقطنها 14.5 مليون ساكن، مطالبة بمراجعة مخططاتها السكانية من أجل القيام بالتحسينات الضرورية لمواجهة “الطفرة السكانية”، بحسب المصدر نفسه.

وينطبق الأمر نفسه على مدينة “دار السلام” التنزانية وعاصمة السودان “الخرطوم” و”أبيدجان” عاصمة كوت ديفوار الاقتصادية و”نيروبي” عاصمة كينيا، حيث يتوقع برنامج الأمم المتحدة انضمامها إلى المدن الرئيسية الكبرى الثلاثة الحالية في القارة السمراء.

وفي هذا الصدد، أوضح الأكاديمي السنغالي، أن التخطيط الحضري الذي يتلاءم مع التحول الذي تعيشه القارة، يتطلب بالضرورة، إصلاحات مرتبطة بالتصنيع القادر على تعزيز النمو، والذي من شأنه أن يضمن الأمن الغذائي للسكان ويحسن خدمات الصرف الصحي، إضافة إلى معالجة هشاشة البيئة الحضرية ومظاهر العنف المتصلة بها، في قارة تضم 10 من بين 12 دولة الأكثر عرضة لموجات الجفاف في العالم.

وعبر تسريع عجلة التصنيع، ينبغي على أفريقيا الأخذ بعين الاعتبار أن “حتمية” تحول غالبية السكان من الأرياف إلى المدن سيلعب دورا هاما في التغيير الهيكلي.

غير أن تحقيق جملة هذه الأهداف يظل رهينة عودة “الأدمغة” الأفريقية التي تعيش في المهجر، وفق أستاذ التخطيط الحضري، الذي يعتبر أن هذه “العودة الضرورية لن تتحقق دون توفير الظروف الملائمة للعمل والحياة في المدينة”.

في المقابل، لفتت دراسة أممية أخرى، إلى أن تحقيق تطور أكثر انسجاما واستدامة في القارة السمراء، يمر ضرورة بتعزيز مفهوم الدولة الوطنية والمؤسسات، التي تشكو الضعف والوهن، بسبب أنماط الحكم المتبعة، ما يتطلب “دمقرطة” أنظمة الحكم بشكل يجعلها أكثر انفتاحا على مكافحة الفساد في إدارة المال العام، وغيرها من مجالات المصلحة العمومية، لا سيما في قطاع المناجم.

ويرى الأكاديمي السنغالي، أن ضعف البنية التحتية ومحدودية فرص الحصول على التكنولوجيا والخدمات، تعد من بين أبرز المشاكل التي تؤرق العديد من بلدان القارة الأفريقية ومدنها، في الوقت الراهن.

ووفق تقارير أممية مختلفة، يترجم نقص المعدات، في مجال النقل، بتكاليف إضافية تقدر بـ 40% في المناطق الساحلية و60% في البلدان غير الساحلية.

وأشار تقرير “حالة المدن الأفريقية” الأممي الصادر في 2014، إلى أن شبكات الطرق، على وجه الخصوص رديئة، في حين تعاني السكك الحديدية، غالبا، من سوء الترابط فيما بينها ونقص الصيانة.

وفي هذا السياق، اعتبر الأستاذ الجامعي السنغالي، أنه يمكن إدارة المناطق الحضرية بشكل أفضل، علاوة على مراجعة نماذج الحكم، في قارة يعيش فيها “السكان والسلطات العمومية في عالمين منفصلين، إذا اعتمدنا على الجوانب الاقتصادية والسياسية والثقافية، أو كلها مجتمعة”.

“اليون أسي سيك” تحدث في هذا الخصوص، عن “عجز كبير” لا ينبغي تجاهله إذا أرادت قارة أفريقيا طي صفحة التخطيط العمراني المتوارثة عن الأنظمة الاستعمارية، ففي كثير من البلدان يتركز جهاز الدولة في العاصمة والمدن الكبرى، في حين بات باقي “التراب الوطني” يشكل نوعا من “الدول الهجينة ومزيجا جغرافيا للأراضي التي تحددها العشيرة واللغة والعلاقات الثقافية بدل التماهي مع الدولة الوطنية”.

واقع حال دفع السنغال، هذه البلد الواقع غرب أفريقيا، إلى التحرك فعليا، إذ ينصب تفكيرها في توقع انعكاسات هذه الظاهرة على مدنها وسكانها، وفي هذا الصدد، علّق أسي يسك بالقول “هذه مسألة تستحق التأمل، نحن بصدد إعداد مجلس وطني للتخطيط مع رئيس البلاد لمعرفة كيفية الحد من توسع المدن والنمو المتسارع من وجهة نظر حضرية”.

وتابع الأكاديمي “يوجد عجز في التخطيط الحضري (..) نحن نميل إلى التفكير في المدينة من منظور داخلي، حيث يتعيّن إيجاد توازن مثالي بين التهيئة الترابية وتوفير الاحتياجات الحقيقية للسكان من سكن وراحة”.

من جانبه، أشار أبو أحمد سيك، الخبير السنغالي في مجال التخطيط الحضري والعمراني، إلى أن “المشكلة تتمثل في الإنسان قبل المرافق والبنية التحتية، ما يشكل عائقا أمام إعادة تأهيل الأراضي”.

وأبدى “سيك” في حديثه للأناضول، ارتياحه من إنشاء مدينة دامنياديو (مدينة جديدة أقيمت خارج العاصمة السنغالية داكار) التي تعد نموذجا لـ “المدينة الذكية”.

وأضاف في السياق ذاته، أنها “المرة الأولى التي تسبق فيها المرافق السكان، ما يجعلها من حالة فريدة لمدينة تضم جميع وسائل الراحة لحياة سعيدة في المناطق الحضرية”. –

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *