أحدث_الأخبار

أمريكا والحشد الشعبي في العراق.. لقاء الضرورة

18 يونيو , 2016 - 9:01 ص

اخبار محلية العالم العراق

في برقية أرسلها إلى حكومته في نوفمبر/ تشرين الثاني 2009، تحدث السفير الأمريكي الأسبق لدى العراق، كريستوفر هيل، عن دعم إيران لمجموعات مسلحة غير نظامية موالية لها “بمبلغ يتراوح بين 100 إلى 200 مليون دولار سنويا”، بحسب ما ورد في البرقية، التي نشرتها وسائل إعلام أمريكية.
وتسعى إيران من خلال دعمها لتلك المجموعات إلى تشكيل “جيوش شعبية مرتبطة بالثورة الإسلامية” في العراق وسورية واليمن، يبلغ حجمها أضعاف حزب الله في لبنان، لتغيير موازين القوى في المنطقة بما يصب في مصلحة الثورة الإسلامية الإيرانية، وفق تصريحات أدلى بها الجنرال حسين سلامي نائب قائد الحرس الثوري الإيراني، ونقلتها وكالة أنباء فارس في 31 ديسمبر/ كانون الأول 2014.
ففي العراق، أعلنت الحكومة العراقية عن تشكيل قوات “الحشد الشعبي” بعد يومين فقط من سيطرة تنظيم داعش على مدينة الموصل في 10 يونيو/ حزيران 2014؛ وجاء تشكيل الحشد الشعبي استنادا إلى فتوى المرجع الديني الأعلى، علي السيستاني، المعروفة باسم “الجهاد الكفائي”.
ويعد الحشد الشعبي إطارا رسميا ضم عشرات “الميليشيات” التي تلقت دعما إيرانيا، ومنها منظمة بدر التي يتزعمها القيادي في الحشد الشعبي، هادي العامري، والتي تأسست في إيران مطلع ثمانينيات القرن الماضي، بجانب مجموعات أخرى مثل حركة المقاومة الإسلامية المعروفة باسم عصائب أهل الحق التي تأسست في العام 2007 بعد انشقاق قائدها الحالي، قيس الخزعلي، عن جيش المهدي الذي يقوده زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، وغيرهما من المجموعات المسلحة شبه العسكرية.
وليس خافيا تلقى الحشد الشعبي دعما مباشرا من إيران، بدليل ما سبق أن صرح به رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي، حين قال أن إيران قدمت “الأسلحة والخبرات العسكرية التي ساعدت الحشد الشعبي في وقف تقدم الإرهابيين ومنع انهيار الجيش بشكل كامل وسقوط بغداد”.
وأضاف في تصريحات نقلها راديو طهران العربي في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2015، انه “لولا الدعم الإيراني لكان الوضع في العراق صعبا جدا”.
الولايات المتحدة التي تقود تحالفا دوليا للحرب على تنظيم داعش منذ أغسطس/ آب 2014، ترى من جانبها وبشكل غير رسمي كما جاء على لسان مسؤولين سابقين أن “الحشد الشعبي المدعوم من إيران سوف يشكل خطرا على العراق أكثر من تنظيم داعش الإرهابي”، حيث “يقوم بارتكاب فظائع ضد المدنيين السُنّة”، بحسب تصريحات نسبتها صحيفة واشنطن بوست في 21 مارس/ آذار 2015، للرئيس السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، ديفيد بترايوس، الذي أشار إلى الحاجة “لخلق قوة سُنّية مناوئة لتنظيم داعش ووقف تجاوزات الحشد الشعبي بحق المواطنين السُنّة التي تزيد من حدة التوتر الطائفي في البلاد”.
غير أنه، على الصعيد الرسمي، “تحترم” الولايات المتحدة “الإسهامات التي يقدمها الحشد الشعبي في مواجهة داعش”، كما صرح بذلك السفير الأمريكي في العراق ستيوارت جونز، الذي كشف في 7 يونيو/ حزيران 2016، عن “لقاءات مع قيادات في الحشد الشعبي”، مؤكدا في الوقت نفسه على “تعاون الولايات المتحدة مع القوات العراقية فقط”؛ ونفى وجود “أي ترتيبات سرية مع إيران أو الحشد الشعبي”.
وإجمالا، ترى الولايات المتحدة أن التدخل الإيراني المباشر أو غير المباشر في العراق “بات الأكثر وضوحا منذ العام 2004″، لكن هذا التدخل لا يمثّل مشكلة “إذا لم يؤد إلى توترات طائفية”، وفق ما جاء في شهادة الجنرال مارتن ديمبسي، رئيس أركان الجيوش الأمريكية، أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ في مارس/ آذار 2015.
ربما تدرك الولايات المتحدة أن الحشد الشعبي، إلى جانب القوات الأمنية العراقية، هو القوة الأكثر فاعلية في الحرب على تنظيم داعش؛ وعلى الرغم من رفض الحشد الشعبي دعم طيران التحالف الدولي، تعلن الولايات المتحدة بين آونة وأخرى عن تنفيذ عشرات الضربات الجوية بشكل يومي على مواقع تنظيم داعش في مركز الفلوجة، ومحيطها، حيث تخوض القوات الأمنية والحشدان الشعبي والعشائري معارك عنيفة منذ مطلع الأسبوع الأخير من شهر أيار/ مايو.
لكن تلك الضربات لا ترتقي إلى توصيفها بأنها بمثابة “غطاء جوي” لفصائل الحشد الشعبي، التي توجه انتقادات لدور الولايات المتحدة، بل تضعها في موضع الاتهام بـ”التواطؤ مع القبائل السُنّية التي لا تريد القضاء على تنظيم داعش”، وفق تصريحات منسوبة للمتحدث باسم كتائب حزب الله، جعفر الحسيني.
ورسميًا أيضا، لا تعترض “الولايات المتحدة على مشاركة الحشد الشعبي في تحرير مدينة الموصل” – بالرغم من رفض سكانها هذه المشاركة – وذلك كما جاء على لسان القنصل الأمريكي في البصرة “ستيف ووكر”، والذي أشاد بـ “الإسهامات الفاعلة التي يقدمها الحشد الشعبي”، وذلك خلال زيارة قام بها في 12 مارس/ آذار 2016 إلى مستشفى الصدر التعليمي في البصرة لزيارة جرحى الحشد الشعبي، فيما يرى مراقبون أن الزيارة تعدُّ اعترافا رسميا من الولايات المتحدة بشرعية الحشد الشعبي.
وتحدث القنصل الأمريكي خلال زيارته للجرحى باللغة العربية مشيدا بما قدمه الحشد الشعبي من جهد إلى جانب الجيش العراقي في “تحرير المدن والمناطق العراقية من سيطرة تنظيم داعش”.
الدعم الإيراني للحشد الشعبي، على ما يبدو، لم يعد يمثّل مشكلة تحول دون دعم واشنطن للقوات المشاركة في عملية “كسر الإرهاب” لاستعادة الفلوجة طالما أن الحكومة العراقية تؤكد على أن القوات الأمنية هي التي تقود معركة الفلوجة، وهي صاحبة القرار فيها، وهي معركة عراقية خالصة، بحسب تصريحات الناطق باسم الحشد الشعبي النائب أحمد الأسدي في 24 أيار/ مايو.
لكن وجود قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني في المنطقة، وظهوره في أكثر من موقع، من بينها غرفة عمليات تحرير الفلوجة، أثار شكوك قيادات سُنّية حول تأكيد الحكومة على “عراقية” المعركة.
يُذكر أن النائب في مجلس النواب العراقي، سالم مطر العيساوي، قال في تصريحات صحفية في 28 أيار/ مايو، إن “وجود سليماني مثير للشكوك والريبة، وهو غير مرحب به في المنطقة”.
منذ معركة استعادة تكريت ربيع العام 2015، بدت إيران هي اللاعب الأقوى في ميدان القتال على مشارف المدينة، وكان لافتا نشر مواقع تابعة لفصائل الحشد الشعبي صورا للواء قاسم سليماني إلى جانب قيادات عراقية.
في ضوء ما سبق، ليس بالضرورة القول بأن الترحيب الأمريكي بالدور الفاعل للحشد الشعبي يعكس وجود تنسيق مباشر بينهما فيما يتعلق بالحرب ضد تنظيم داعش؛ لكن تبقي تساؤلات هامة حول الموقف الأمريكي من انتهاكات الحشد الشعبي، حيث تكتفي واشنطن بالتحذير من تأجيج التوترات الطائفية والتهديد بعدم دعم القوات البرية العراقية بضربات التحالف الدولي إذا ثبت وجود فصائل تابعة للحشد الشعبي تقاتل إلى جانبها.
بعبارة اخرى، يمكن القول أن الإدارة الامريكية تدرك أن القوات العراقية النظامية غير قادرة على استعادة أراضٍ من تنظيم داعش دون مشاركة “الحشد الشعبي”، لذلك قد تغض النظر عن انتهاكاته وتكتفي بالتحذير منها. –

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *